روضة الصائم

قوم ثقيف « بايعوا وأسلموا.. وأجمعوا على الإسلام»

24 مايو 2019
24 مايو 2019

إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -

يذكر «لأبى محمد عبد الملك بن هشام»، تحقيق، محمد محى الدين عبد الحميد في «كتاب سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-»، في أمر وفد ثقيف وإسلامها في شهر رمضان سنة تسع، قال ابن إسحاق: وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان، وفد عليه في ذلك الشهر وفد «ثقيف»، وكان من حديثهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما انصرف عنهم اتبع أثره عُروة بن مسعود الثقفي حتى أدركه قبل أن يصل الى المدينة، فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يتحدث قومه: «إنهم قاتلوك» وعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم، فقال عروة: يا رسول الله، أنا أحب إليهم من أبكارهم. وقال ابن هشام: ويقال: من أبصارهم.

وكان فيهم كذلك محببا مطاعا، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم، فلما أشرف على علية له، وقد دعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم يقال له: أوس بن عوف - أخو بني سالم بن مالك - ويزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم من بني عتاب يقال له: وهب بن جابر.

فقيل لعروة: ما ترى في دينك؟

قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم.

فزعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال فيه: «إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه».

ثم أقامت «ثقيف» بعد قتل عروة شهرا، ثم إنهم ائتمروا بينهم، رأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب، وقد بايعوا وأسلموا، فائتمروا فيما بينهم وذلك عن رأي عمرو بن أمية - أخي بني علاج - ثم أجمعوا على أن يرسلوا رجلا منهم، فأرسلوا عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومعه اثنان من الأحلاف، وثلاثة من بني مالك، وهم: الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب، وشرحبيل بن غيلان بن سلمة بن معتب، وعثمان ابن أبي العاص، وأوس بن عوف - أخو بني سالم -، ونمير بن خرشة بن ربيعة. وقال موسى بن عقبة: كانوا بضعة عشر رجلا فيهم: كنانة بن عبد ياليل، وهو رئيسهم، وفيهم عثمان ابن أبي العاص ، وهو أصغر الوفد.

يضيف، محمد محى الدين عبد الحميد، في كتاب «سيرة النبي» فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة، ألفوا المغيرة بن شعبة يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رآهم ذهب يشتد ليبشر رسول الله بقدومهم، فلقيه أبو بكر الصديق فأخبره عن ركب ثقيف أن قدموا يريدون البيعة والإسلام إن شرط لهم رسول الله شروطا، ويكتبوا كتابا في قومهم.

فقال أبو بكر للمغيرة: أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله حتى أكون أنا أحدثه، ففعل المغيرة، فدخل أبو بكر فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقدومهم. ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم، وعلمهم كيف يحيون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية.

ولما قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضربت عليهم قبة في المسجد، وكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله، فكان إذا جاءهم بطعام من عنده لم يأكلوا منه حتى يأكل خالد ابن سعيد قبلهم، وهو الذي كتب لهم كتابهم.

وكان مما اشترطوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يدع لهم الطاغية ثلاث سنين، فما برحوا يسألونه سنة سنة، ويأبى عليهم، حتى سألوه شهرا واحدا بعد مقدمهم ليتألفوا سفهاءهم، فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى، إلا أن يبعث معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة ليهدماها، وسألوه مع ذلك أن لا يصلوا، وأن لا يكسروا أصنامهم بأيديهم. فقال:أما كسر أصنامكم بأيديكم فسنعفيكم من ذلك، وأما الصلاة فلا خير في دين لا صلاة فيه.

قال ابن إسحاق: فلما أسلموا وكتب لهم كتابهم، أمر عليهم عثمان ابن أبي العاص، وكان أحدثهم سنا. لأن الصديق قال: يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام، وتعلم القرآن، وذكر موسى بن عقبة أن وفدهم كانوا إذا أتوا رسول الله خلفوا عثمان ابن أبي العاص في رحالهم، فإذا رجعوا وسط النهار جاء هو إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن العلم، فاستقرأه القرآن، فإن وجده نائما ذهب إلى أبي بكر الصديق، فلم يزل دأبه حتى فقه في الإسلام، وأحبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حبا شديدا.

عن عثمان ابن أبي العاص قال: كان من آخر ما عهد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بعثني إلى ثقيف قال:يا عثمان تجوز في الصلاة، وأقدر الناس بأضعفهم فإن فيهم الكبير والصغير والضعيف وذا الحاجة.

قال ابن إسحاق: فلما فرغوا من أمرهم، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين، بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معهم أبا سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة في هدم الطاغية، فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان، فأبى ذلك عليه أبو سفيان وقال: أدخل أنت على قومك، وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم، فلما دخل المغيرة علاها يضربها بالمعول، وقام قومه بني معتب دونه خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة بن مسعود. ويقول: أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس: واها لك، واها لك، فلما هدمها المغيرة، وأخذ مالها، وحليها، أرسل إلى أبي سفيان فقال: إن رسول الله قد أمرنا أن نقضي عن عروة بن مسعود، وأخيه الأسود بن مسعود، والد قارب بن الأسود دينهما من مال الطاغية، يقضي ذلك عنهما.

قال ابن إسحاق: وكان كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كتب لهم:

«نص الرسالة»:

«بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين: إن عضاه وج وصيده لا يعضده من وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه، وإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به النبي محمدا وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب خالد بن سعيد بأمر الرسول محمد بن عبد الله، فلا يتعداه أحد فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم».